تعد مجموعة النقود و العملات التى تقتنيها دار الكتب و الوثائق المصرية من أكبر مجموعات العالم العربى ، حيث يبلغ عدد القطع التى تضمها تلك المجموعة الفريدة أكثر من ثلاثة عشر ألف قطعة تنتمى لعصور مختلفة و فترات متباينة ، و الجدير بالذكر أن تلك المجموعة لا تقتصر على النقود و المسكوكات الإسلامية فقط بل تمتد لأبعد من ذلك إذ توجد بها نماذج للنقود الاوروبية لا سيما تلك التى كانت معاصرة للفترة العثمانية و ما بعدها مثل الدوكات البندقية و الريالات الأوروبية مثل الريال الهولندى و الريال الاسبانى بالإضافة إلى نماذج من نقود مصر الحديثة و أخرى للنقود الأوروبية التى كانت معاصرة لها .
ليس هذا فحسب بل تبدو أهمية تلك المجموعة فى كونها تشتمل فى الوقت ذاته على نماذج لقوالب الضرب التى كانت تستخدم فى سك العملة بدور الضرب المختلفة و التى قلما نجدها فى العديد من المجموعات الاخرى ، كما تحوى هذه المجموعة أكثر من ألف قطعة من الصنج الزجاجية الإسلامية و المكاييل و الأختام التى ترجع لفترات تاريخية مختلفة بدءا من العصرالأموى ثم العصر العباسى مرورا بالعصر الفاطمى فالأيوبى و كذلك المملوكى ، حيث تشتمل تلك القطع ضمن نصوصها الكتابية على العديد من الاسماء لشخصيات مختلفة مثل الخلفاء و الامراء وأسماء المشرفين على دور الضرب ، أضف إلى ذلك أسماء السلع المختلفه التى كانت توزن بالمكاييل مثل البسلة و العدس إلى غير ذلك من السلع ، هذا إلى جانب تسجيل العديد من الكلمات ذات الدلالات الإقتصادية الهامة مثل" واف " و" جائز" إلى غير ذلك من المعلومات الهامة التى يمكن الحصول عليها حال الإطلاع على تلك المجموعة المميزة .
و من أهم مقتنيات دار الكتب و الوثائق القومية المصرية أيضا و التى تنتمى لتلك المجموعة مجموعة الميداليات المتنوعة و التى تعد بحق سجلا حافلا لتاريخ مصر الحديث خاصة فترة محمد على باشا و ما بعدها مما أضفى أهمية كبرى على هذه المجموعة .
لذا فإن تنوع مقتنيات هذه المجموعة و انتمائها إلى عصور مختلفة خصها بأن تكون من أهم المجموعات العربية و جعلها واحدة من أكثر المجموعات المصرية أهمية فى إظهار الوجه الآخر للتراث و الحضارة الإنسانية عبر العصور المختلفة .
من هنا و من واقع أهمية تلك المجموعة كات التفكير فى دراستها و كشف اللثام عنها حتى يتسنى للباحثين و الدارسين المتخصصين فى هذا المجال الاستفادة منها و التعرف عليها خاصة و أنه كانت هناك محاولة سابقة لدراسة تلك المجموعة منذ أكثر من ربع قرن تحديدا فى عام 1982 تحت إشراف الأستاذ الدكتور / جيرى باكاراك بالإشتراك مع كل من الأستاذ / نورمان نيكول و الدكتور / رأفت محمد ، حيث كانت هذه هى المحاولة الوحيدة لدراسة تلك المجموعة و التى أسفرت عن كتالوج عام 1982 و الذى اشتمل على بعض المعلومات عن هذه المجموعة .
و على الرغم من أن هذا الكتالوج كانت له أهميته وقت إصداره إلا أنه وفقا لمتطلبات التكنولوجيا و الثورة العلمية الحديثة و تماشيا مع مبادىء جودة التعليم السائدة فى مصر كان لا بد من التفكير فى عمل يستكمل تلك الدراسة و يستوفى هذه المجموعة حقها خاصة و أن هذا الكتالوج لا يشتمل سوى على خمسة فى المائه فقط من صور تلك المجموعة بالإضافة إلى أنها صور بالأبيض و الأسود و بحجم يجعل مهمة الباحث صعبة حال محاولة قراءتها أو استنباط بعض المعلومات منها ، كما أنه لم يتم إثبات النصوص الكتابية لكل المجموعة بل تم اختيار نماذج عشوائية محدودة منها مما زاد من صعوبة الأمر على الباحثين و الدارسين حال مطالعتهم للمعلومات المسجلة بهذا الكتالوج الذى لا ننكر فضله فى الإسهام بالتعريف بتلك المجموعة و الذى بلا شك تمت الاستفادة منه بشكل أو بآخر فى إعداد هذه الدراسة الجديدة بوصفه المحاولة الأولى لدراسة هذه المجموعة .
و نظرا لأن مسئولوا دار الكتب و الوثائق القومية يقدرون بحق قيمة هذا الكنز و التراث الإنسانى والذى يعد أمانة فى أعناقهم و فى عنق كل مصرى يفتخر بتاريخه و أصالة حضارته عبر العصور ، فقد تم إبرام بروتكول بين دار الكتب و الوثائق القومية المصرية و مركز البحوث الأمريكى بمصر يقتضى إعادة دراسة تلك المجموعة و إعداد كتالوج رقمى عنها عبر الإنترنت يشتمل على صور لكل قطعة فى المجموعة مع إثبات نصوصها الكتابية المسجلة عليها كاملة بكل من الوجه و الظهر مع تسجيل باقى المعلومات المختلفة من واقع قراءة تلك القطع مثل تاريخ السك و مكان الإصدار و اسم الحاكم و الفترة التاريخية التى تعود إليها و بعض المعلومات المساعدة فى الدراسة مثل الوزن و القطر و أسماء المراجع التى نشرت قطعا مشابهة محفوظة فى باقى المجموعات العالمية الأخرى مثل المتحف البريطانى بلندن على سبيل المثال .
و على هذا الأساس كانت خطوة البداية فى إعداد كتالوج جديد يُمكّن الدارسين من
الإطلاع على تلك المجموعة عبر الموقع الإليكترونى لدار الكتب و الوثائق القومية
برئاسة كل من الأستاذ الدكتور / جيرى باكاراك _ أستاذ التاريخ الإسلامى و علم
النميات _ بجامعة واشنطن و السيد الدكتور / شريف سيد أنور _ مدرس المسكوكات و
الآثار الإسلامية _ قسم الآثار الإسلامية _ كلية الآثار _ جامعة القاهرة ، تحت
إشراف رئيس دار الكتب و الوثاثق القومية المصرية ، وعلى كل من يرغب فى نشر أو طباعة
أو تصوير أية قطعة من هذه المجموعة الخاصة بدار الكتب فعليه بالمراسلة على البريد
الإلكترونى :
Fax numbers: 02 2575 0620 & 02 2576 5185
وبعد قرابة ثلاثة أعوام من البحث و الدراسة تم بحمد الله الانتهاء من هذا الكتالوج الرقمى الجديد و الذى يمتاز بميزة هامة عن الكتالوج المطبوع القديم و هى اشتماله على صور ملونة لكل قطعة و بحجم كبير يُمكّن الدارسين من سهولة الإطلاع عليها مع تسجيل نصوصها الكتابية كاملة بكل من الوجه و الظهر ، بالإضافة إلى إمكانية البحث الإليكترونى عبر هذا الكتالوج ، و بناء عليه يمكن للدارس البحث بطرق مختلفة و متنوعة وفقا للمعلومة التى يرغب فى الحصول عليها عن هذه المجموعة ، فعلى سبيل المثال يمكن البحث عن طريق العصر أو الفترة التاريخية أو يمكن البحث عن طريق اسم الخليفة أو الحاكم الذى تم إصدار النقود فى عهده كوسيلة أخرى من وسائل البحث ، كذلك يمكن البحث بطريقة أخرى و هى الكلمات الدالة مثل اسم دار الضرب أو أية كلمة أخرى مسجلة على القطعة المراد البحث عنها و التعرف عليها ، أو يمكن البحث عن طريق أرقام سجلات القطع المُسجلة بدار الكتب و هى كلها طرق متنوعة الهدف منها هو تسهيل مهمة الباحث و تيسير حصوله على المعلومة بشكل يضيف إليه و يساعده فى استكمال بحثه .
فعلى سبيل المثال إذا اراد الباحث التعرف على الإصدارات النقدية لمدينة دمشق فى العصر الأموى فيمكنه البحث إما بكلمة " دمشق " أو " أموى " أو كليهما معا إذا أراد الحصول على نتائج أكثر دقة ، و ذلك من خلال جداول تشتمل على بيانات كاملة لكل قطعة من قطع تلك المجموعة و التى تتضمن أيضا أرقام الحفظ فى خزانة دار الكتب مما يتيح الحصول على زيارة كاملة للمجموعة النقدية بدار الكتب و الوثائق القومية المصرية بضغطة واحدة عبر صفحة الانترنت ، و هذا إن دل على شييء فإنما يدل على الثورة التكنولوجية المصرية و أساليب البحث العلمى المتقدم فى مصر و التى لا تقل أبدا عن المناهج البحثية الأوروبية الحديثة .
و بعد فنحن نرجوا من الله عز وجل أن يكون هذا الكتالوج عونا للباحثين و الدارسين المتخصصين و أن يكون فى الوقت ذاته دافعا قويا لتعميم هذا النوع من الدراسة فى شتى أنحاء المتاحف القومية المصرية مواكبة لمتطلبات التكنولوجيا الحديثة و إسهاما فى دفع عجلة البحث العلمى فى مصر و العالم العربى .
و الله الموفق و المستعان
د . شريف سيد أنور
كلية الآثار _ جامعة القاهرة